"حسابات كهربائية"

انشغلت خلال الأيام الماضية بجمع معلومات حول المبالغ التي قامت بصرفها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 على الكهرباء في العراق , ومن المفروض أن عملية البحث عن هكذا معلومات في أي بلد أخر بالعالم عبر الانترنيت لم تكن لتستغرق أكثر من" 30" دقيقه ,ولكن عدة أيام لم تكن كافية لي لا نجاز وحصر مجموع المبالغ , لسبب بسيط إن اغلب الوزارات والدوائر الحكومية العراقية لا زالت تستعمل الورق بدلا من الحاسبات الالكترونية والانترنيت في عمليات الارشفه , ربما لان المعلومات المخزونة بهذه التقنيات ألحديثه من الصعب أن تطالها حرائق "أل تماسات" الكهربائية التي تجتاح الوزارات العراقية مؤخرا .
ما انتشلني وأنقذني من "الدوخة" التي وضعت نفسي بها هو السيد وزير المالية " رافع العيساوي" ,وربما عملية توارد الخواطر والأفكار بيني وبينه جعلته يصرح إن مجموع ما أنفقه العراق على قطاع الكهرباء منذ عام 2003 ولحد ألان هو "107 " مليار دولار أمريكي , حيث وضح السيد الوزير أن 80 مليار دولار هو ما أنفقه العراقيون بالإضافةِ إلى 27 مليار دولار أنفقتها الحكوماتُ المتعاقبة .
ولكي لا تسألني ابنتي كم يساوي المليار فان المليار هو "ألف مليون " أي تسعة أصفار إلى اليمين , وعمليا فان الطاقة التي وفرها هذا المبلغ الضخم للعراقيين خلال السنوات الثمانية الماضية هي تسعة أصفار أيضا ولكن إلى اليسار. وربما هذا ما دفع وزارة الكهرباء إلى طرح مناقصة لغرض تقديم نشرة خاصة بالكهرباء على إحدى الفضائيات العراقية توضح فيها كيف تقرأ الاصفار من اليسار .
وبمناسبة الاصفار فان ستة عشر دولة " بطرانه" تمكنت بعد " جهد جهيد" من إنفاق 100" مليون دولار فقط" , لغرض بناء محطة الفضاء الدولية والتي اقترب 60 بالمائة منها من الاكتمال و ستكون محطة الفضاء الدولية مشتركة وتستعمل كمركز للأبحاث الفضائية في المستقبل , ولا اعلم لماذ لم تقم وزارة الكهرباء عندنا بعمل مشروع مماثل دون الحاجة إلى أي وزارة أو دولة أخرى مع فائض يقدر بسبعة مليارات دولار, لغرض توفير ملاذ يقي المواطن العراقي من حر الصيف عبر رحلات مكوكية تنقل العراقيين إلى المحطة الفضائية التابعة للوزارة .
كما كان بإمكان العراقيين أن يشيدوا في المبلغ المذكور 15 نسخة من برج دبي في مدينة" بغداد " وحدها وعشرة في مدينة" الموصل" وخمسة أبراج في كل من " النجف وكربلاء والناصرية والحلة والرمادي وديالى وتكريت والكوت" وستة أبراج في مدينة "البصرة" , أي ما مجموعة" واحد وسبعون" برجا بتكلفه" مليار ونصف المليار" دولار للبرج الواحد " بسعر المفرد" .
حاجة العراق ألان من الكهرباء تقدر بحوالي" 14000" ميكا واط بينما جل ما يتم إنتاجه من الكهرباء هو ما يقارب أل" 6000 "ميكا واط . في حين كان ما ينتجه العراق بعد نيسان عام" 2003" هو" 2500" ميكا واط أي أن جل ما تم زيادته في الإنتاج خلال السنوات الماضية هو" 3500" ميكا واط , أي بحسابات الوقت فان العراق أضاف" 500"ميكا واط كل سنة وبهذا فإننا سنكون بحاجه الى" 18" سنة أخرى لكي نصل بالإنتاج إلى الكمية المطلوبة وهي" 14000" ميكا واط ,لو استمرت عملية التوسع في الإنتاج بسرعتها "الصاروخية " الحالية .
ولو عدنا إلى لغة الأرقام مرة أخرى فان" 3500" ميكا واط التي تم أضافتها إلى الشبكة العراقية كلفت العراق" 107" مليار دولار بما يعني أن كل" 1000" ميكا واط تم صرف" 30" مليار دولار لإضافتها إلى الشبكة , وهنا أصبح لزاما علي أن أبشركم إننا خلال السنوات الثمانية عشرة القادمة سنكون بحاجه الى" 270 "مليار دولا فقط لا غير , لكي نوفر الحاجة الفعلية من لاستهلاك الفرد العراقي من الطاقة وما تعنيه أل" 270" مليار دولار عمليا وعلى ارض الواقع ربما سيكون شيء مخيف جدا ومحبط أيضا ليس للمواطن فقط بل للحكومة الحالية والحكومات القادمة أيضا ,
وأبشركم إخواني أيضا أن ما قلناه سابقا يعني أننا سنبقى تحت رحمة "أبو المولدة" لسنوات طويلة قادمة لهذا ادعوكم إلى تحسين علاقاتكم وتطويرها مع أصحاب المولدات , لان المستقبل هو زاهر, خاصة لمن أراد أن يستثمر في هذا القطاع الواعد الذي سوف يشهد سنوات أخرى من النجاح ,ولا اخفي عليكم إعجابي بأحد الايميلات الإعلانية التي وصلتني قبل فترة لسيارة يعتزم إنتاجها عدد من المستثمرين ولكنها ليست سيارة عادية بل هي سيارة ومولد كهرباء في نفس الوقت حيث يمكنك استخدامها كسيارة عادية خلال النهار ثم تعود إلى المنزل لتتركها في الكراج وتوصل إليها قابلو الكهرباء وتشغل محركها كمولد كهربائي ,أعجبتني الفكرة كثيرا لأنها ربما ستكون فكرة تقود مستثمرين آخرين للتفكير ببدائل للكهرباء الباهظة التي تزودنا بها " وزارة الكهرباء " , وبما أن الحاجة أم الاختراع فلا تستغرب أبدا لو رأيت في الأسواق خلال السنوات القادمة بدائل أخرى أكثر جرأة من" السيارة المولدة"

بدلا من "شلال" العَم "حنّا" وزيرا للكهرباء

نقل مصدر "شامت" في رئاسة الوزراء خبر إقالة وزير الكهرباء "رعد شلال" , بعد التأكد من أن الأخير أجرى عقودا تجارية وهمية باسم الوزارة بقيمة تصل إلى مليار و700 مليون دولار , كل هذا جاء على لسان هذا "الشامت" الذي ينتمي بكل تأكيد إلى "خلطة " عفوا كتله منافسه لكتلة وزير الكهرباء " المعلق " لأنه ليس "وزير سابق "بعد كما توالت الأخبار بعد تصريح المصدر "الشامت" .

ما يعنينا بالموضوع ألان والى أن تأتينا جهينة بالخبر اليقين أن خبر العقود الوهمية لم يكن مفاجئا للكثيرين بعد أن "فاحت ريحة" الوزارة بعقود وهمية وفساد مالي وأداري بمختلف ألوانه وتلويناته منذ تأسيسها ولحد ألان وكأن كرسي الوزارة " منحوس" أو" مسكون بعفاريت "تجعل من يجلس عليه يصاب بلعنة الفساد " والشفط" والدليل جميع الوزراء الذين جلسوا على" الكرسي المسكون " خرجوا من الوزارة بفضيحة " وزفه مرتبه " من باب الوزارة الرئيسي , بعد أن دخلوها من الباب الخلفي .

وزارة الكهرباء ليس كرسيها منحوس فقط بل "كلها على بعضها " تعد مشكلة متأزمة تؤرق مضاجع ملايين العراقيين منذ سبعة أعوام ولا زالت , فهي الوزارة الأعلى بعدد فضائح إهدار الأموال والفساد المستشري بأوصالها , والأكثر إثارة للجدل بمعية شقيقتها وزارة التجارة .
ومن أطرف قضايا الفساد التي قامت داخل أروقة وممرات وزارة الكهرباء " المسكونة " ,أن مسئول في النزاهة كشف مؤخرا عن إحالة مدير عام وعدد من مدراء الأقسام في وزارة الكهرباء إلى هيئة النزاهة، لتورطهم في قضية شحنة حاويات لعب الأطفال وردّت إلى العراق من قبل شركة بريطانية بدل معدات التوليد الخاصة بمحطة كهربائية كان من المقرر إقامتها بمدينة الناصرية ,أنا باعتقادي أن هذا المسئول أراد أن يفاجئ ابنه بكم هائل من الهدايا بمناسبة عيد ميلاده أو ربما الذكرى السنوية "لطهوره" والله اعلم , كما وكشفت التحقيقات في القضية أن الشركة البريطانية قدمت وثائق مزورة للوزارة عند إبرام العقود , هل أن موظفي الوزارة هم على" نياتهم " إلى هذه الدرجة ليتم استغلالهم من سماسرة الشركات الوهمية دائما, وتوريطهم في عقود لشركات وهمية "تنصب عليهم" , صراحة أنا استغرب أن تصل الأمور والاستهتار في أموال ومصير الشعب العراقي إلى هذا الحد , واستغرب أكثر أن تكون سمعة الوزارات العراقية في العالم اجمع أصبحت عبارة عن " حايط نصيص"ومشاريع وأماكن للنصب والاحتيال "وحلب " لأموال اليتامى والأرامل والفقراء اللذين لازال "يسمطهم" إرهاب الطبيعة بدرجات حرارة فاقت الخمسين , أما وزارة الكهرباء "المنصوب عليها دائما" فما زالت "تسمط " ميزانية العراق بملايين الدولارات "هدرا وشفطا " .

وليس بعيدا عن الكهرباء , وقريبا من دائرة الكهرباء التقيت صباح اليوم وأنا متجه إلى عملي ,بالعم " حنا" والعم "حنا" لمن لا يعرفه تربوي متقاعد خدم البلد في مجال التعليم لأكثر من 30 عاما , وتخرج على يديه العشرات من الأطباء والضباط والمهندسين , وهو فخور كما يقول أن لا احد من طلابه أصبح وزيرا أو حتى عضو في البرلمان ... المهم بعد السلام والكلام عرفت أن العم "حنا" متجه إلى دائرة الكهرباء وبيده فاتورة الكهرباء ,فقلت له ممازحا , كم هو مبلغ الفاتورة عمي , فقال لا يوجد شيء ابني, قلت كيف , ماذا تقصد بلا شيء , قال لا اعرف ولكن يبدو أنهم قد اخطئوا في فاتورتي يا ابني لان المبلغ المطلوب مني حسب الفاتورة هو " صفر" , أخذت الفاتورة من يده غير مصدق , وفعلا حسب كلامه المجموع المطلوب هو "صفر" , قلت له خلاص ياعم "حنا" إذا لم يكن مطلوب منك أي مبلغ ما لك ومراجعة الدائرة , قال لي ولو ابني أنت تعرفني أنا لا اقبل الحرام وأنا متأكد أن هناك خطأ في الموضوع لهذا أنا سأراجع الدائرة لكي يصلحوا الخطأ وادفع ما بذمتي من أموال للدولة , أدهشني العم "حنا " بكلامه وأخلاقه مثلما يدهشني دائما الوزراء ووكلائهم وبقية الحاشية بأخلاقهم وذممهم التي لاتحرم ما حرم الله .
وبعد كل هذا ألا يستحق العم " حنا" أن يكون وزيرا للكهرباء لأمانته بدلا من كل اللذين دخلوها وعاثوا فيها فسادا وفشلا ,لان " من كان أمينا على القليل يؤتمن على الكثير" .

معاناة متابع "حِشَري" في زمن الثورات

الجيش السوري يقتحم مدينة حماة والبو كمال ودير الزور , والمشهد كما اتابعه في "القنوات المغرضة" كما يسميها "نظام بشار" يبدو كحرب حقيقيه , وكما تعودت منذ الثورة التونسية فانا اتابع "القنوات المغرضة" وبنفس الوقت اتابع القنوات الحكومية لهذه البلدان المنكوبة اثناء الازمة وبعد ان اخذت جرعة صباحية لا باس بها من العنف حاولت ان استطلع عن صحة الاخبار القادمة من سوريا فحولت الى القناة الرسمية السورية فوجدت ان كل ما يقال عن الاحداث هو ليس حقيقي بل وان القناة تنقل برنامج عن" مشروع الغاء الدوام النصفي في المدارس" .
امنت بالله وعدت مرة ثانية الى متابعة" المغرظين" وقنواتهم لكي اروي فضولي في متابعة الاحداث , وانتظرت راس الساعة لكي اعود الى القناة السورية لاتابع نشرة الاخبار علني اجد جوابا رسميا من قناة رسمية ,وحانت راس الساعة فكانت نشرة الاخبار تحمل الاخبار التالية وبالترتيب, الخبر الاول "تهنئة القاضي الشرعي للديار السورية للدكتور بشار الاسد بمناسبة حلول شهر رمضان رمضان الذي سيهل يوم الاثنين" واستعراض اسماء عدد من المسئولين المهنئين , ولا اعلم هل ان التهنئة هي بمناسبة دخول الثورة السورية شهرها الخامس ام بدخول الجيش السوري الى عدد من المدن السورية ,محرزا نصرا كبيرا على الشعب .
اما الخبر الثاني "عدد من المواطنيين الفلسطينين يصابون بجروج ببلدة سلوان وعناصر من جيش الاحتلال بعد ان داهمت البلدة اطلقت الغاز المسيل للدموع " شر البلية ما يضحك , فبعد ان فشل النضام في قمع التضاهرات وسقطت كافة اوراقه التي لعبها مثل "المسلحين" "والمخربين ""والتدخلات الخارجية" ومحاولاته في تصدير الازمة الى الخارج , فكانت النتيجة ان خبر جرح خمسة فلسطينين اهم من مقتل العشرات السوريين بالنسبة للنظام الذي استطاع ان يرفع علم سوريا بطول الالاف الامتار في مدينة دمشق وعجز عن رفع علم بطول متر واحد في الجولان .
الخبر الثالث " جدد العقيد معمر القذافي وعوده بان مسعاه في القضاء على النضام هو محض هباء" هذا الخبر يبوا وكانه رساله موجهه من النظام وتذكير للثوارالسوريين ان الثورة الليبية ادت الى حرب اهلية وهذا ما يمكن ان يتكرر , وان الموضوع ليس حكرا على القذافي .
الخبر الرابع " حلف الناتو بعلن مقتل احد جنوده في افغانستان في اقليم هلمند " وهذا ايضا تذكير ولكن ليس للسوريين بل الى الاوربيين وحلف الناتو تحديدا وتذكيره ,بالمازق الذي لازال يعانية في افغانستان , وخطورة اللعب بالنار ومحاولة التدخل في سوريا حتى لو كان من خلال قرار يتم فيه ادانة النظام السوري في مجلس الامن .
ثم ختمت المذيعة النشرة بعبارة "هذا كل شيئ شكرا للمتابعه " وكأنها تقول لي يكفي هالحشرية يا ابن" ........ " ليس لدينا شئيا لنقولة لك افهم بقى .

فشل الإعلام الحكومي .... "الإعلام السوري مثالا"

ما تشهده منطقتنا من أحداث وثورات وتغيرات , يكاد الإعلام يكون فيها اللاعب الأهم لا بل والأساسي , قواعد جديدة وضعتها وفرضتها وسائل الاتصال الجديدة على وسائل الإعلام "المرئية خاصة " لتجعلها احد أهم أسلحة المواجهة في الصراعات القائمة في منطقتنا ,التي كانت ولازالت الأنظمة الدكتاتورية فيها تحاول عزل نفسها وشعوبها عن العالم الخارجي ,لتكتشف هذه الشعوب بين ليلة وضحاها أنها تملك سلاح أقوى من كل الاسلحه التي خنقتها بها أنظمتها "المقيتة"لسنوات طويلة ,وبالمقابل اكتشفت هذه الأنظمة إن ما تملكه من إعلام يكاد يقف عاجزا عن المواجهة.

سوريا أيضا لم تكن بمنأى عن ما تشهده المنطقة من ثورات شعبية عارمة تحاول الاطاحه بالأنظمة الدكتاتورية ذات "النفس الماراثوني" . والغموض الذي يلف المشهد السوري وثورته تحديدا مرده إلى القبضة الأمنية الحديدية التي يمسك بها النظام بزمام الأمور في البلد,ولا يسمح للإعلام الغير السوري بتغطية الأحداث , مع غياب إعلام سوري مستقل وجميع القنوات السورية مملوكه للدولة وتدار من قبل السلطة , لهذا قام النظام بتجنيد قنواته كافه للوقوف بوجه الإعلام الخارجي وبوجه الشعب السوري جنبا إلى جنب مع القوات الأمنية والجيش لتعمل هذه المنظومة "الأمنية الإعلامية" على إجهاض الثورة , في تجربة هي فاشلة إلى حد ألان خاصة في الجانب الإعلامي منها .

المشكلة في الإعلام الحكومي إن بنيته لا تمثل إعلاما وحسب , بل هو خليط متجانس بالقوة بين الإعلام والدعاية, فهو الواجهة الإعلانية للسلطة دائما يحاول صقل صورة القائد وحاشيته بمناسبة ودونها , ولا يحمل أو يعترف بالشراكة التي تجمع الوسيلة الإعلامية مع المتلقي لان المتلقي عند الإعلام الحكومي يختلف عما هو عليه في الإعلام المستقل , الأخير جعل المتلقي عنده شريك حتى في المحتوى الإعلامي من خلال ترك هامش للمتلقي لكي يقرر موقفه ,في عملية يمكن أن نسميها "إعادة قراءة للمحتوى" بينما الإعلام الحكومي هو من يقوم بالتفكير ويقدم المعلومة جاهزة للمتلقي والذي ينبغي علية أن لا يشكك فيها وكأنه يقول " هذه هي الحقيقة فقط ودونها كل شيء بعيد عنها "

لم يعد باستطاعة أي وسيله إعلامية أن تدعي أنها تملك الحقيقة كاملة لان القرب إلى الحقيقة هو باختصار" التقرب إلى الشارع و الجماهير" ,كلما كانت وسيله الإعلام قريبه إلى الشارع فهي قريبه إلى الحقيقة أكثر, "عندما تسمعني وتشاهدني سوف أسمعك وأشاهدك" وهذا ما تفتقر إليه وسائل الإعلام الحكومي والرسمي بشكل عام , لان قربها الدائم من السلطة والمواقع الرسمية في ألدولة جعلها بعيدة عن الشارع والجماهير , هذا التحدي هو الذي جعل الإعلام الحكومي السوري عاجزا عن مواجهة الإعلام الخارجي الممثل بقنوات "الجزيرة والعربية وbbc" فهي الأقرب إلى الشارع السوري من القنوات السورية نفسها لأنها أتاحت للمواطن السوري أن يساهم حتى بما تعرضه من أخبار وتقارير عن الثورة ,ولان هذه القنوات تعاملت بذكاء لما تملكه من خبرة طويلة وناجحة فحولت المواجهة بين الإعلام الحكومي السوري وبين الشعب السوري بشكل غير مباشر .

المواجهة التي فرضت على الإعلام الحكومي السوري الذي كان غارقا عبر سنواته الطويلة في دهاليز الحكومة والسلطة ويتعامل بفوقية مع المواطن لأنه كان مجرد أداة بيد السلطة ينقل نشاطات الحكومة ويساهم في تعزيز مكانة النظام والقائد الأوحد الذي لايخطئ أبدا وكل مايقوله في خطاباته لاينبغي التشكك في جزئياته .

وبالتالي فان الثقة هي مفقودة دائما وعلى طول الخط بين الإعلام الحكومي والمتلقي "المواطن" لسبب بسيط وهو أن الإعلام الحكومي أصلا لا يثق بالمواطن لان الثقة هي بالسلطة فقط , فكيف سيثق المواطن بالإعلام الحكومي إذا , لهذا تابعنا كيف أن الإعلام السوري تنقصه الشجاعة في مواجهة الحقائق بسبب نقص الثقة بينه وبين الشارع ,على عكس الإعلام الخارجي الذي حاز على ثقة المواطن العربي والسوري خاصة من خلال العلاقة الصحيحة و الطويلة التي تربط هذه القنوات بالفرد , ونفس الكلام انطبق على الدول التي شهدت ثورات سابقا مثل تونس ومصر وليبيا واليمن وكما تابعنا فان الإعلام الرسمي لهذه الدول جميعا وقف عاجزا بمواجهة الإعلام الخارجي لنفس السبب .

محتوى الإعلام السوري خلال فترة الأزمة التي يمر بها لاتتعدى كونها حفلة دفاع عن النفس وعن النظام ولهذا التجأ إلى التفاصيل لينطلق من خلالها إلى العموميات وهنا كان الخطأ الأخر والكبير الذي اقترفه الإعلام السوري فهو مثلا يفند الفيديوهات التي يصورها الشباب السوري لأعمال القمع التي يقوم بها النظام والتي يتم بثها عبر الإعلام الخارجي , يفندها لكي يبرهن أن الوضع في سوريا هو طبيعي في حين انه لاينقل الوضع الطبيعي الذي يتحدث عنه , المواطن ليس لديه مشكلة بمن صور الفيديو وكيف صور وكيف وصل إلى وسائل الإعلام الخارجي المهم أن الوضع غير طبيعي وهناك قمع للمواطن والتظاهرات بشكل أو بأخر .

هذا التخبط يعززه أكثر التشنج الواضح في الإعلام السوري حيث أن كل فترات البث يغلب عليها الأناشيد الحماسية والعبارات النارية ومراسيم تشيع شهداء الأمن , وبين كل هذا يطل عليك المذيع ليقول لك أن الوضع طبيعي جدا في سوريا "إذا كان الوضع طبيعي كن طبيعيا وعفويا اذا" ,
إنها من صفات الإعلام الحكومي والرسمي الاستهزاء بعقلية المتلقي في حين أن المتلقي في الإعلام الغير الرسمي أو كما أسميناه الخارجي هو من يقوم ويساهم بوضع المحتوى الذي يعنيه ويعني قضيته وهمومه وهذا ما جعل المفاهيم تتغير بين القوي والضعيف , الحاكم والمحكوم , الظالم والمظلوم , الأنظمة المستبدة والشعوب المقهورة .

لهذا من المستحيل أن يكسب الإعلام الحكومي ثقة المتلقي خلال فترة الأزمة فقط لان المتلقي لم يعد مجرد أداة "ملأتها متى شئت وأفرغتها متى شئت" ,الإعلام الحكومي أهمل المتلقي وخسر ثقته لعشرات السنين , ويحاول ألان أن يكسبه خلال أيام معدودة , الحكومات الدكتاتورية ليست وحدها ضحية ثورات الشعوب بل إنها أيضا نهاية مايسمى الإعلام الحكومي أو الرسمي

إنهم شباب "الفيس بوك والتويتر"

مواقع التواصل الاجتماعي غيرت مفاهيم التواصل لدى الفرد في العصر الحديث حيث إن "لكل عصر وسيلة إعلامه و تواصله" , بهذا يمكن أن نعتبر أن ظاهرة استخدام وسائل الإعلام الالكترونية و بالتحديد مواقع التواصل الاجتماعي" الفيس بوك , وتويتر" ، هي من أهم ما يمز عصرنا الحديث في أسلوب وطريقه التواصل مع الأخر, ليس دون حدود فحسب بل وبسرعة فائقة أيضا تجعل من الصعب السيطرة عليها أو توجيهها من قبل الحكومات الدكتاتورية .

فهذا هو ما توفره شبكة الانترنت " الفيروسية" التي تتميز بالآنية وبالسرعة في نقل المعلومات تجعلها الوسيلة الأفضل للتواصل , أضف إلى ذلك سهولة الاستخدام لهذا الوسائل فهي لاتتطلب أن يتمتع المستخدم بقدر عالي من الخبرات التقنية أو اختصاص في البرمجة المعلوماتية , إذ يكفيك أن تتصل عبر الكمبيوتر أو عبر الهاتف المحمول كي تضع مالديك من محتويات على شبكة الانترنيت .

المراقب للاحتجاجات الأخيرة في مصر لا بد له أن يربطها بما جرى في تونس و ثورتها الياسمينية خاصة من ناحية دور شبكة الانترنت في ظل الرقابة و التعتيم الإعلامي الذي تعمدت انضمتها الدكتاتورية قطعها عن الجماهير .وقبلها كانت الاحتجاجات في إيران ودور هذه المواقع في فضح ممارسات العنف التي تعرض لها المتظاهرين الإيرانيين .

دور الانترنت في تغير مفاهيم الناس خاصة في الدول المنغلقة على نفسها يأتي من خلال حملات التوعية التي يقوم بها النشطاء للتعريف بحقوق الإنسان و بحقوق" المواطن" السياسية. و في مصر كان لمواقع التواصل الاجتماعي و بالتحديد لموقع "فيس بوك" و لخدمة "تويتر" الدور الأكبر في تنظيم النشطاء و في نقل نبض الشارع و نقل وقائع الأحداث بشكل آني , وهذا مادفع الحكومة المصرية إلى منع "الفيس بوك والتويتر" من ألشبكه العنكبوتية وتلاها تعطيل الشبكة بشكل عام في الأراضي المصرية وتبعها إيقاف للهواتف المحمولة وخدمة الرسائل القصيرة و"البلاك بيري " . في دليل واضح واعتراف من الحكومة ان وسائل الاتصال السريعة كانت هي السبب والمفتاح في حركات الاحتجاج الأخير والدعوة إليها .

الواضح إن الأنظمة الدكتاتورية حول العالم تعاني من تحدي خطير وجديد يهدد بقائها , وهو تهديد بعيد عن متناولها لايمكن إخضاعه أو ادلجته ولا يخضع سوى لما يعانيه الفرد وما يدور في الشارع وما يفكر فيه المواطن البسيط الذي ذاق ذرعا من قمع حرياته, ولم يعد باستطاعة الدكتاتوريات وأنظمتها الشاذة إدارة منظوماتها التي تعمل على خنق المواطن وتقيد حرياته. انه شكل جديد من التحدي لن يكون بإمكان هكذا أنظمة الوقوف بوجهها , إنها ا الثورة إذا يقودها الشباب من خلال "الفيس بوك والتويتر".